تأبين الدكتور الراحل الهادي مصطفى أبو لقمة

لمحات من السيرة الذاتية

للدكتور/ الهادي مصطفى أبو لقمة

بسم الله الرحمن الرحيم

بكل تأكيد يصعب عليَّ أن أكتب عن الدكتور الهادي أبو لقمة في هذه اللحظات القاسية على روحي وقلبي وعقلي وقلمي لأنني في حيرة عن ماذا أكتب ؟ عن الأستاذ الذي علمني الكثير؛ عن الأب، عن الصديق، أو الأخ، أو الرفيق، أو عن المريد الذي يرتل أورداه معه وبعده أهل اكتب عن الأستاذ الجامعي الذي ساهم في التعليم على مدى خمسين عاماً؟ أم اكتب عن ما تركه من أثار علمية كانت وما زالت وسوف تظل مرجعاً لكل مهتم أو باحث في مجال الجغرافيا الليبية أو التاريخ الليبي ؟ أو أكتب عن المناصب الإدارية التي تقلدها خلال حياته العلمية. أو أكتب عن مواقفه الاجتماعية في محيط أسرته ومدينته؟ أو أكتب عن عشقه  وحبه لبلاده ليبيا ؟ وأيضاً مدينته بنغازي وأصدقائه وزملائه وأصهاره فيها؟ أما أكتب عن الهادي الإنسان وشعوره بألم الآخرين وتعاطفه معهم؟.

إن الدكتور الهادي أبو لقمه كان مثالاً للإنسان المكافح والمناضل بذل عمره في سبيل العلم وقضى وقته بين الكتب والمجلات والدوريات باحثاًُ ومنقباً عن المعلومة والمصدر.

على أية حال الحيرة تلازمني ولكن في هذه اللحظة وبهذه المناسبة، سوف أكتب عنه من خلال ما كتبه بخط يده ، وما أملاه عليَّ عن حياته ونشاطه العلمي والإداري، وقد منحني شرف الإشراف والمتابعة لمذكراته والتي تحمل عنوان “حياة عشتها” وهي الآن قيد الطباعة وسوف ترى النور قريباً إن شاء الله عرفانا وتقديراً واحتراماً له.

سيكون عنوان هذه الورقة لمحات من السيرة الذاتية للدكتور الهادي أبو لقمة من خلال مذكراته المشار إليها آنفاً .

اللمحة الأولى: الميلاد والنشأة:

ولد الدكتور الهادي  مصطفى رمضان أبو لقمة في سنة 1934م بمدينة الزاوية الغربية  التي تقع إلى الغرب من مدينة طرابلس عاصمة البلاد الليبية. وتبعد عنها حوالي خمسة وأربعين كيلو متر، والده مصطفى وصفه في احدي مقابلاته مع إذاعة الزاوية المحلية بالفارس والأب الحكيم وصاحب الفكر الصائب، أما الوالدة فهي السيدة أمنة القزيطي والجميع ينتمي لقبيلة أولاد الأعيور أحد بطون قبائل القورغلية بالزاوية.

يقول عن والده ، كان معروفاً بلقب الرايس، وهي صفة لا يحملها إمام المسجد الذي كنت أتردد عليه ولا شيخ قبيلتنا ولا أي كائن آخر في المحيط، نعم يمثل لقب الرايس الصفة التي تعني الوالد الذي اشعر حتى اليوم بالأسى البالغ لعدم حضوري مواراته الثرى لجهلي بموعد وفاته نظراً لعملي في مدينة بنغازي يومها، واستحالة الحضور في الوقت الملائم .

كان الوالد متزوجاً قبل والدة الدكتور الهادي من امرأة فاضلة تدعي فاطمة يوسف والمنتمية لذات القبيلة، تركت السيدة فاطمة مع أمي أربعة بنات وولدان.

عاش الرايس حياة رغدة ونال أبناؤه الذكور الثلاثة المتوفين الصغير وعلي ومحمد، نصيباً جيداً من التعليم المتوفر يومها.

أما بخصوص البنات فمنهن عائشة وتونس وفوز وزهرة وفاطمة وركية وفطيمة لأمهم أمنة والجميع تزوجن.

كان الوالد مصطفى رحمه الله كريماًُ  وشجاعاً وخدوماً، لدرجة أن مربوعته نادراً ما تجدها موصدة الباب، وفي نفس الوقت كان وبالفعل رجل حداثة، فقد عمل على اقتناء مولد كهربائي لإنارة منزلة، كما واصل السعي من أجل توفير حنفية عمومية أمكن لجميع سكان المنطقة الاستفادة منها. وفي نفس سياق الحداثة تحدث والده مع أولياء أمور صغار منطقته على ضرورة التحاق أبنائهم بالمدرسة النظامية هنا وجب الإشارة إلى أن المدرسة كانت في إثناء العهد الإيطالي وبالتحديد في أواخره  تلك الدعوة أعتبارها البعض دعوة إلى ترك لغة الضاد، وحث لهم على ترك أبناءهم للكتاب المقدس القرآن الكريم، وتعلم لغة المحتل الكافر، لكن رغم ذلك فقد استجاب الناس لتلك الدعوة، وبسرعة انتقل معظم الطلبة إلى المنهج الجديد الأمر الذي أثمر وأهل كل من حفيده الدكتور خيرى الصغير أبو لقمة وأصغر أبنائه الدكتور الهادي إلى ترأس جامعتي الفاتح – طرابلس اليوم، بالنسبة للأول، والثاني جامعة” قا ريونس” – بنغازي اليوم.

 تزوج الدكتور الهادي أبو لقمة من السيدة سعاد وهي سيدة مسيحية مصرية من أصل فرنسي تعرف عليها في إثناء دراسته الجامعية بجامعة القاهرة وأنجب منها ثلاثة بنات هن : هدى- ماجدة- الهام، وأبناً واحداً هو أحمد والجميع تخرجوا من الجامعة، هدى تخرجت من جامعة “الفاتح” طرابلس اليوم، من كلية التربية – قسم اللغة الفرنسية، وماجدة تخرجت من قسم اللغة الفرنسية كلية الآداب، جامعة قا ريونس – بنغازي اليوم، وإلهام تخرجت من كلية القانون ، جامعة قا ريونس – بنغازي اليوم وتحمل اليوم شهادة الماجستير في القانون التجاري. أما بخصوص الابن الوحيد أحمد، فقد تخرج هو الآخر من كلية الاقتصاد، جامعة قاريونس – بنغازي اليوم، ويحمل الآن شهادة الماجستير في تخصص إدارة الأعمال.

اللمحة الثانية: اللقب:

تحمل أسرة الدكتور الهادي أبو لقمة ثلاثة ألقاب ، الأول هو لقب بن رمضان، وهو اللقب الذي تعرف به الأسرة في الوسط القبلي أي قبيلته أولاد الأعيور، أما الثاني فهو لقب الرايس وهذا جاء نتيجة لتولى بعض أفراد أسرته منصب رئاسة البلدية وعضوية مجلس إدارة قضاء الزاوية ومشيخة القبيلة منذ العهد العثماني الثاني وحتى بداية العهد الملكي في ليبيا، وكان والده آخر من تولى منصب رئاسة بلدية الزاوية.

وهذا اللقب تعرف به أسرة الدكتور الهادي في الوسط العائلي أو بمعني آخر أسرة مصطفى بن رمضان أبو لقمة ، أما ثالث الألقاب أبو لقمة، فهو لقب عرفه به الدكتور الهادي في الوسط العام للبلاد الليبية، وجاء بحسب رواية الدكتور نفسه والذي نقلها عن والده بأن أسرته كانت تقدم واجب الضيافة لعابري الطريق وخصوصاً قوافل الحج القادمة من بلدان الشمال الإفريقي سواء أكانت أفراداً أو جماعات ، ومن هنا انتشر وعرف موقع اقامة الاسرة بين قوافل الحجيج ذهاباً وعودة ، وأصبح مكانه دلالة في الطريق، ويعرف بحوش أبو لقمة الواقع في الطرف الشمالي من طريق الحاجية، وهي الطريق التي تستخدمها القوافل، وللعلم إن أول من استخدم هذا اللقب هو الدكتور الهادي في إثناء سفره للدراسة بجامعة القاهرة.

اللمحة الثالثة: مرحلة التعليم:

مرت المرحلة الأولى ويقصد بها هنا الذهاب إلى الجامع بحفظ ما تيسر من القرآن الكريم. مع التركيز على تعلم الكتابة بطريقة صحيحة كلما أمكن ذلك من خلال مراجعتها مرة أو مرات مع الفقي الذي يتولاه إلى جانب إقامة الصلاة مع من يحضر لذلك الغرض، وأيضاً القيام ببعض الأمور ذات الصلة بإعداد الأحجيبة للمرضى، وأشياء أخرى عديدة.

استفاد كثيراً مما تعلم من ما كان يعرف بالكتابة على اللوح في الجامع، وقد تعلم ودرس على يد الفقهاء علي العتري والصغير بن نصرات، وعمر التمبوكتي يرحمهم الله جميعاً، بداية أصول اللغة العربية من خلال دراسة كتابة الأجرومية وخالد، هذا الأمر كرس في وعيه بداية تعلم أساسيات ما يجب تعلمه ومعرفته عن لغة الضاد، كل ذلك  التعلم كان في جامع أبو السباع الواقع في وسط قبيلته ويبعد عن وسط مدينة الزاوية حوالى ثلاثة كيلو متر في اتجاه الشمال الغربي، وجامع الزرافة الذي يقع شرق قبيلته، ويبعد عن وسط المدينة بنفس المسافة المذكورة آنفاً غير أنه في اتجاه الشمال الشرقي.

لم يدم طويلاً بقاءه في المسجد إذ كان عليه الانتقال إلى المدرسة بالمفهوم الذي نعرفه اليوم، وكانت المدرسة حديثة البناء ومكونة من طابقين بكل منهما مجموعة من فصول كاملة التجهيز وتسع قرابة أربعين طالبا، إلى جانب الإدارة وغرفة للمعلمين وأخرى لعمال النظافة.

جاء تشيد هذه المدرسة صورة من بين أولى المباني الرسمية التي شيدها الإيطاليون بعد احتلالهم للبلاد، وبما أن أعداد الإيطاليين منهم كانت ما تزال محدودة وتمثلت بالذات في موظفي الإدارة الأمر الذي حذا بهم إلى تخصيص الطابق العلوي لأبنائهم، فيما ترك الطابق الأرضي ليشغله أبناء الوطن، ربما ليظهر وأنهم بعيدون عن التعصب لمشاركتنا إياهم ذات المنشأة، وأن في الطابق الأرضي تعرف هذه المدرسة اليوم بالزاوية الابتدائية وتقع في شارع النهضة أمام الكنيسة الإيطالية.

حصل على إنهاء المرحلة الأولى، أو ما كان أكثر شيوعاً بالمرحلة الابتدائية، بعدها انتقل إلى مقر آخر، شغلته عدة جهات إدارية عديدة يمثل آخرها ما يعرف  اليوم بعيادة المعلمين، وذلك مدة قصيرة ومنها انتقل إلى جزء من المعسكر الحربي الإيطالي الواقع في شمال طريق وسط الزاوية (شارع جمال عبد الناصر) وتحديداً إلى مقر القيادة العسكرية التي باتت تعرف بمدرسة الزاوية الثانوية التي ساهم بعض الأهالي في صيانتها، وإضافة بعض المباني، كما هو مدون على الحجر الرخامي بمدخلها: “أسست هذه المدرسة من خالص تبرعات أهالي متصرفية مساهمتاً منهم في رفع شأن العلم والثقافة في هذا الجزء من الوطن العزيز، وقد صار تدشينها يوم الجمعة المبارك 7 من ربيع الأول 1368هـ ، الموافق 7 من يناير 1949م).

لم تطل إقامتهم بهذه المدرسة طويلاً إذ سرعان ما تم نقلهم لقلة عددهم إلى مدرسة طرابلس الثانوية التي نال منها شهادتي الثقافة العامة والتوجيهية.

اللمحة الرابعة:

بعد حصوله على شهادة التوجيهية سافر إلى القاهرة للدراسة الجامعية سنة 1953م، حيث التحق بقسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة القاهرة، والذي تحصل منه على شهادة الليسانس في مجال الجغرافيا.

في أثناء دراسته في جامعة القاهرة أقام عدة صداقات لعل أبرزها معرفته الحميمية مع الأستاذين الكريمين جمال حمدان مؤلف كتاب شخصية مصر، وإبراهيم رزقانة والأخير جاء إلى الجامعة الليبية بدعوة من الدكتور الهادي وقام بالتدريس بقسم الجغرافيا ، وعن هذان الأستاذان يقول عنهما أن هذين المفكرين قد تمكنا من ترك فعلاً بصماتهما الواضحة على نتائج الأدب الجغرافي العربي مما جعلهما من أعلام الجغرافيا حتى اليوم.

وفي القاهرة أثنـاء الدراسة تعرف على زوجتـه السيدة سعاد فاقترن بها يوم 9/ 2/ 1960م، وأنجب منها أولاده هدى وماجدة وإلهام وأحمد.

اللمحة الخامسة:

بعد الحصول على شهادة الليسانس صدر إعلان من وزارة  التعليم في ذلك الوقت يفيد بضرورة تقديم خريجي الجامعات المصرية بإفاداتهم للدراسات العليا في عدد من الجامعات الأوروبية وكان اسمه من بين الذين قدموا أسماءهم وفعلاً تم القبول وكان نصيبه السفر إلى مدينة درهم بالمملكة البريطانية رفقة زميلان له الدكتور مختار بورو والدكتور محمود الخوجة رحمهما الله وانتظموا في الدراسة لمرحلة الماجستير بجامعة درهم وكان مشرفه الدكتور جون كلارك وبالمناسبة يجدر التركيز أنه تحصل على الشهادتين الماجستير والدكتوراه من نفس الجامعة والمشرف أيضاً.

لقد تحصل على شهادة الماجستير سنة 1960م، وتحمل عنوان “الساحل الغربي لإقليم طرابلس – دراسة في الجغرافيا البشرية” أما شهادة الدكتوراه فتحمل عنوان “مدينة بنغازي : دراسة في جغرافيا المدن” وقد ناقشها يوم 12/ 12/ 1964م.

في أثناء إقامته في مدينة درهم أصيب بمرض السل منذ وصوله وفي الشهور الثلاثة الأولى خضع للعلاج قاسى لمدة ستة أشهر وأضطر معها إلى الانعزال وسكن بمفرده، مع إصابته بالمرض كان هناك هاجس آخر زاد من الطين بله ذلك أن القيمة المالية لم تصل وهو ما دفعه مع زملائه الدكتور مختار بورو والدكتور محمود الخوجة رحمهما الله إلى مخاطبة وزارة التعليم مراراً عديدة بدون سماع أية ردة فعل من طرفها، وحاول الاتصال بالحكومة البريطانية لحل تلك المشكلة وفعلاً حصل ذلك.

أكمل العلاج مع الاستمرار في الدراسة والكتابة حتى تم انجاز رسالته للدكتوراه وذلك في أوائل شهر يوليه سنة 1964م.

اللمحة السادسة: العودة والعمل بالجامعة الليبية:-

فور الانتهاء من إجراء تصديق الشهادة كان عليه اللحاق بأسرته بالقاهرة حتى يتمكن من العودة سوية إلى بنغازي وبما أنه لم يكن يملك ثمن تذكرة العودة التجأ كالعادة إلى الأسرة في الزاوية والتي كما يقول فيه كلمة حق زادت من كرمها المعهود إذ خصصت جزءاً من المبلغ المرسل له كجزء لشراء هدايا لأبنتاه هدى وماجدة التي ولدت في القاهرة ولم يراها حتى لحظة التخرج.

تولى مهام وكيل الجامعة الليبية في عهد الأستاذ دغمان ويشير في نفس السياق إلى أن تغيير النظام سنة 1969م، أسفر عن تعيين رئيس جديد للجامعة ممثلاً في الدكتور عمر التومي الشيباني رحمه الله، ومعاونين له، الدكتور الهادي أبو لقمة بمقر الإدارة بمدينة بنغازي ، والزميل محمد شقرون وكيلاً لفرع طرابلس.

حمل تنحي الأستاذ دغمان عن رئاسة الجامعة تنحيه أيضاً عن رئاسة المدينة الجامعية – التي كانت قيد الإنشاء – والتي آلت مهامها إلى منصب الوكيل واستمر في الإشراف على المدينة الجامعية حتى بعد أن تولى رئاسة الجامعة سنة 1973م، وقد شكلت لجنة لمتابعة الأعمال ضمت كل من الأستاذ محمد السعداوي والمهندس طه الشريف بن عامر والأستاذ فتحي جعودة والأستاذ عمر بن عامر والأخوة العمداء والمراقب المالي والمهندس المعماري السوري الأصل عاطف البرقاوي وهو مكلف لمراجعة وحفظ الملفات والتعليق عليها والدعوة إلى الاجتماعات وبيانات اللجنة فيما تم انجازه وكذلك بيان صيغ البنود المراد مناقشتها في مستقبل الأيام القادمة، استمر العمل على قدم وساق حتى يوم حفل الافتتاح الرسمي 10 أبريل 1974م، وقد حضر ذلك الحفل الرائد عبد السلام جلود وحضره أيضاً رؤساء الجامعات العربية وبمشاركة رؤساء جامعات من بريطانيا وإيطاليا ويوغسلافيا وبعض الدول الإسلامية وبعض الجامعات الأفريقية ، مع عدد كبير من رجال الفكر والعلم وبالطبع عدد من رجال الصحافة وبالذات البريطانية واليوغسلافية والتي نشرت كل تفاصيل الحفل في ذلك اليوم.

توصلت الحياة الجامعية بعد مهرجان الافتتاح بقوة أعلى وتصميم أصلب عوداً، فالأساتذة العرب المختارون بالاسم وحسب التخصص باتوا يشكلون الأغلبية بين طاقم التدريس والكل يحاول أن يجاهد أفضل وفي جدية سواء في المحاضرات العامة أو فى حلقات النقاش الطلابية المتعددة وباختصار تحول ذلك السكون الذي يرافق الموت إلى أصوات متعددة تطلب المزيد من ضرورة المعرفة، كان حتما أن تتضاءل معها نشاط وفاعلية أنصار النظام ممثلين فيما عرف منذ البداية باللجان الثورية التي عملت كل ما فى وسعها لكسر فاعلية كل ما خارج عما جاء به الكتاب الأخضر المبشر بإنعتاق جميع شعوب العالم مما هي فيه ولا يرضي عنه بالطبع صاحب النظرية العالمية الثالثة.

يقول أيضاً أن ما يعينني فى هذا الخصوص هو الإشارة بل التأكيد على أن الهيئة الحاكمة قد باتت ترى ضرورة تغيير للوضع الذي خرجت إمكانيات مناصريها من وضع حد له ولو باستعمال القوة.

اللمحة السابعة: إحداث ابريل:-

في صبيحة يوم مشرق كانت حقيبة سفري جاهزة في انتظار وصول السائق الذي تزامن وصوله مع إبلاغي هاتفياً أن شيئاً ما يجري بحرم الجامعة مما دعاني إلى إبلاغ زوجي فإن حقيبتي باقية هنا. وسأتصل بها بعد تحري الأمر، يومها كنت أنوي السفر إلى المنامة عاصمة البحرين من أجل اللحاق باجتماعها المنعقد حول الجامعات العربية، هذا وقد حضرت اجتماعات مدن صفاء وبغداد وبيروت والقاهرة وتونس.

يقول خرجت وطلبت من السائق وقلت له أن حدثاً ما يجري بالجامعة، التي علينا الاتجاه إليها وهكذا لم يطل استغرابنا، إذ سرعان ما تبين لنا أنه هناك أمراً مربكاً حيث أخذت تظهرنا بعض تجمعات أفراد الجيش منذ بلوغ بداية الدخول، إذ تبين لنا إمكانية وجود القائد أو أنه على وشك الوصول وبالفعل ما أن وصلت مبني الإدارة حتى تبينت وجوه العديد من أفراد اللجان الثورية الذين كان يحمل بعضهم سلاحاً وتقدم أحدهم ليخبرني بأن القائد فى طريقة ليلقى خطاباً من أعلى سلالم المكتبة وأن الجميع فى الانتظار، وفى المكان وجدت بعض مئات من الطلبة والموظفين، بين من هم وقوفاً وأكثرها جلوساً على الأرض وفى الساحة لا أثر لأي كريس بها، وكالعادة حضر القائد بعد أكثر من ساعتين، تحدث بعدما عن مواضيع مختلفة وبلغة حادة غلب عليها الصوت الجهوري، وبالذات عن الطلبة المتحاذين ومثلهم من أعضاء هيئة التدريس والموظفين، وكل الليبيين أيضاً وعن كل ذلك المستفيد من ذوي الشأن مثلماً كان حديثه مع مجموعة مختارة من اللجان الثورية داخل المكتبة العامة الذي حضرته دون دعوة خاصة، فالرسالة وصلت قبل سماع أي من أحاديته.

كان يوماً طويلاً، ومملاً، ومثيراً الأعصاب فالعسكر فى كل مكان بدءا من المدخل، وأنتشار أفقي على كامل أرض الجامعة، بما ذلك جميع المباني والمرافق العامة، انه إحتلال وبالقوة العسكرية كل ذلك بدون علم رئيس الجامعة، ربما لحسن الحظ أو لعدمه لم يثير أعصابي، التي أبقيت عليها باردة حتى انتهاء حفل التهجم فقراري سبق وتم إتخاده ولا رجعة فيه، ومفاده ببساطة قسم اليمين بعدم العودة أو دخول الجامعة حتى يتم تعيين رئيس جديد وبأية وسيلة، التصعيد المباشر، كما جري في المرة السابقة ممثلاً فى شخصي، أو أن أبداع القائد سيأتي بطريقة جديدة مذهلاً بها العالم، من ليبيا يأتي الجديد، حسب ما جاء فى المؤرخ اليوناني هيردوت، لحسن الحظ لم يطل الوقت لا أكثر من أيام علمت بعدما أن وكيلي الدكتور عبد الحفيظ الزليطني بات رئيس الجامعة.

اللمحة الثامنة: بعد الأحداث:-

يقول حصلت على سنة تفرغ قضيتها فى جامعة الإسكندرية 76/1977م، عدت بعدما إلى قسم الجغرافيا، لمزاولة التدريس والإشراف على بعض طلبة الدراسات العليا، فى نفس الوقت الذي تمت فيه الموافقة على السماح لي بالمشاركة فى التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة الزاوية، السابع من ابريل سابقاً- وهنا علي التأكيد على أنني كنت قد تعاونت مع معهد الدراسات العربية التابع للجامعة العربية بالقاهرة وأيضاً مركز جهاد الليبيين ، والهيئة القومية للبحث العلمي وأكاديمية الدراسات العليا بجنزور والأكاديمية البحرية، التي تواصل التدريس بها لتسع سنوات متواصلة كل هذا التعاون كان متعلق بمزاولة التدريس والإشراف على طلبة الدراسات العليا.

توالت السنون، وغير بعيد حتى حل العام 2010م، التي حملت معها ثلاث مفاجآت سارة، كانت أولاها متمثلاً فى حفل التكريم الرائع الذي تبناه طلبة الدراسات العليا،بقسم الجغرافيا بجامعة الزاوية، أما الخبر السار الثاني الذي حملته سنة 2010م، فقد كان بالفعل والقول، مفاجأة لا يمكن الاكتفاء بوصفها بالسارة فقط، إذ كانت أبعادها أعمق بكثير من توجيه خالص الشكر، لمن عملوا على أحيائها وقضت معها المدينة بكاملها يوماً سادته بشائر الفرح، وكأن المحتفي به أحد أبر أبنائها ذلك التكريم كان من جمعية بيت درنة الثقافي.

أما الخبر السار الثالث، فقد كان اختياري لنيل جائزة الفاتح التقديرية فى مجال العلوم الاجتماعية- الترجمة والذي كانت إقامته فى مدينتي الزاوية وبالتحديد فى بيت الثقافة.

هذه باختصار لمحات من سيرة الدكتور الهادي أبو لقمة يرحمه الله، والتي سترى الثور قريباً، أود أن أشير فى ختامها.

أن الدكتور كان متأثراً جداً بالقرار الذي صدر عن المؤتمر الوطني والخاص بما يسمي بالعزل السياسي، واعتبره وصمة عار فى حق كل ليبي شريف وصادق عمل بكل صدق وإخلاص وكان يعتبره موجهاً ضده، وأيضاً كان يشعر بنوع من الأسى والحرقة لعدم الانتباه إليه بعد ثورة 17 فبراير فى مدينته الزاوية، على كثرة اللجان التي شكلت فيها والمؤتمرات التي عقدت بها لم يقوم أحد بدعوته أو حتى استشارته.

مسك الختام قول الرحمن بعد بسم الله الرحمن الرحيم:

((كل نفس ذآئقة الموت))

يرحم الله الهادي مصطفى أبو لقمة رحمة واسعة ويجازيه عنا خير، ويرحمنا معه آمين آمين.

                                                             الباحث   علي عمر الهازل

عضو مجلس إدارة المركز الليبي

للمحفوظات والدراسات التاريخية  -طرابلس –

السجل العلمي والإداري للدكتور الهادي مصطفى أبو لقمة

تحصل على درجة الليسانس في الجغرافيا من كلية الآداب من جامعة القاهرة سنة 1957م، التحق بجامعة درهم ببريطانيا ونال منها درجة الماجستير سنة 1960م، والدكتوراه سنة 1964م.

الوظائف الإدارية التي تقلدها:

  • وكيل الجامعة الليبية.
  • رئيس الجامعة الليبية.
  • أمين الجمعية الجغرافية الليبية.
  • رئيس مركز البحوث والدراسات العليا، بجامعة الزاوية.
  • خبير بالهيئة القومية للبحث العلمي.
  • عضوية لجنة الأسماء الجغرافية بهيئة الأمم المتحدة ممثلاً عن ليبيا.
  • عضوية إتحاد المدن العربية بجامعة الدول العربية ممثلاً عن مدينة بنغازي.
  • عضوية إتحاد المدن العالمية ممثلاً عن ليبيا.
  • تولى رئاسة تحرير مجلة قاريونس العلمية.
  • عمل أستاذاً متعاوناً مع المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية (مركز جهاد الليبيين سابقاً)، والهيئة القومية، للبحث العلمي وأكاديمية الدراسات العليا، وجامعة الزاوية (السابع من أبريل سابقاً).

المنجز العلمي:

يمكن تقسيم المنجز العلمي للدكتور الهادي مصطفى أبولقمه إلي التأليف والترجمة والتحرير والمشاركة يقدر بما يزيد عن عشرين كتاباً وهي:

  • التأليف:

1- دراسات ليبية جزءان.

2-مصطلحات ونصوص جغرافية.

3-السيلفيوم الثروة المفقودة.

4-من بلاد العالم.

5-الإنفجار السكاني: دراسة في جغرافية السكان.

6-السكان والموارد بين الواقع وحتمية التخطيط.

7-الساحل الليبي.

(ب)الترجمة:

1- مدينة طرابلس بمدخليها الغربي والشرقي في رسائل إلي الأهل.

2-ترحال في الصحراء.

3-أخبار الحملة العسكرية الأولى.

4-الأخوان بيتشي والساحل الليبي.

5-منظمة الأوبك مع آخر.

6-بنغازي عبر العصور.

7-مشروع الإستيطان اليهودي في برقة.

8-تجارة الذهب وسكان المغرب الكبير.

9-مدخل إلى الصحراء.

(ج) التحرير والمشاركة:

1-الجماهيرية دراسة في الجغرافيا.

2-تحليل الواقع المكاني للسكان في الجماهيرية.

3-أزهار من قورينا.

4-مرزق التحضر والقاعدة الاقتصادية -مشاركة.

5-بحوث ودراسات في التاريخ الليبي -مشاركة.

6-الاستعمار الاستيطاني في ليبيا -مشاركة.

(د) كتب تحت الطباعة:

1-دراسات ليبية الجزءان الثالث والرابع.

نشر له أكثر من عشرين بحثاً باللغة العربية والإنحليزية في مجلات علمية نذكر منها:

  • مجلة البحوث والدراسات التاريخية.
  • مجلة قاريونس العلمية.
  • مجلة الهيئة القومية للبحث العلمي.

الإشراف العلمي:

أشرف الدكتور الهادي أبولقمة على أكثر من ستين رسالة علمية بين الماجستير والدكتوراه، وناقش أكثر من خمسين رسالة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملية الإشراف والمناقشة كانت موزعة بين جامعات طرابلس وبنغازي والزاوية ودمشق وأكاديمية الدراسات العليا.

                                                            تجميع وإعداد

                                                       الباحث علي عمر الهازل

                                       المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية